+ القداسة في أصلها هي هبة المحبة الكاملة بين الله والإنسان، وهذا يشمل ملء الروح القدس. لذلك القداسة تتضمن تجديد النفس وتغييرها. وفيها تتوجه الرغبات والميول والأفكار والأهداف نحو الله، بحيث تتحطم قوة محبة الخطية من داخل قلب الإنسان، وتُصبح الطهارة والبرّ والصلاح رغبة وصرخة القلب القوية.
+ والقديس بولس الرسول يُصلي للتسالونيكيين ويقول: [ وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح ] (1تسالونيكي 5: 23)، حيث (يقدسكم) هنا تُفيد معنيان (1) الفرز والتخصيص، (2) التطهير والتنقية.
وإن كان المعنيان متلازمان، ولكن المقصود هنا هو التطهير والتنقية، والمقصود بها قوة التحرير الكامل من الفساد الروحي، وأيضاً الكل كاملاً، وأيضاً لكل الأغراض والمقاصد، وأيضاً جميع قواكم مجتمعة ومجزأة، وأيضاً كل جزء منكم بالتمام.
هنا يقف الإنسان عاجزاً عن هذا العمل العظيم، ولئلا يظن أحد أنه يقدر بذاته أن يفعل ذلك، يُلاحقنا القديس بولس بالقول: [ أمين هو الذي يدعوكم، الذي سيفعل أيضاً ] (1تسالونيكي 5: 24)
+ فالله في طبيعته قدوس وبار [ من مثلك بين الآلهة يا رب. من مثلك معتزاً في القداسة ] (خروج 15: 11). وفي طبيعة الله القدوس تعني هنا الخلو الكامل والتام من الخطية مع الطهارة التامة، وهي أهم وأخص صفات الله، وتُميزه بنوع كُلي عن جميع الآلهة الوثنية، وتجعله يكره المعصية والخطية ويُعاقب الخاطئ.
+ والله خلق الإنسان على صورته كمثاله (شبهه) أي خلقه في البرّ والقداسة [ وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ] (تكوين 1: 26).
ومع أن الله يرفق بضعفتنا متذكراً بأننا تراب ولم نحفظ صورة الله، بل شوهناها، بل وفقدنا مثاله فينا [ لأنه يعرف جبلتنا، يذكر أننا تراب نحن ] (مزمور 103: 14)
ولكنه مع ذلك يُطالبنا ويُريد قداستنا كأمر هام ومُلح لحياتنا وشركتنا وعلاقتنا معه [ ويكون الذي يبقى في صهيون (رمز الكنيسة المسيحية) والذي يُترك في أورشليم (رمز لمدينة الله السمائية) يُسمى قدوساً كل من كُتب للحياة في أورشليم ] (أشعياء 4: 3)
+ آدم الذي خُلق على صورة الله كمثاله فقد قداسته بالسقوط من حالته المخلوق عليها وسقطت في صُلبه البشرية كلها من هذه القداسة [ من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع ] (رومية 5: 12)
فأصبح مركز شخصية الإنسان هو ذاته الفعلية ونتاج حياته (أي قلبه)، أي كلها دنس وموت وفساد، فصار العيب كله يصدر من القلب، من الداخل وليس من الخارج، وكذلك تدنست روح الإنسان، فصرخ الإنسان بسبب نبع حياته الشرير أي الخطية، وذلك الصراخ إلى الله قائلاً: [ قلباً نقياً أخلق فيَّ يا الله وروحاً مستقيماً جدده في أحشائي ] (مزمور 51: 10)
فلا بد إذن من خلق قلب جديد في داخله، وروحاً مستقيماً في أحشائه، ولا ينفع تصليح أو ترميم القديم، لأن القديم الساقط لا يُمكن أن يُخرج الصالحات لأنه ميت، فلا بد إذن من إنسان جديد حي بالله.
+ من هُنا، فالقداسة تبدأ مع تغيير القلب وتقديس الروح [ وأما نحن فينبغي لنا أن نشكر الله كل حين لأجلكم أيها الإخوة المحبوبون من الرب أن الله أختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق ] (2تسالونيكي 2: 13)
+ فالعلاج الأساسي للقداسة هو الوصول للمسبب أي القلب بالتجديد الدائم، والروح بالاستقامة التامة، ولكن هُناك علاقة بين القلب (مركز شخصية الإنسان وذاته وضميره) وبين الذهن (وهو المُنظم الواضح بين العقل والروح) المنظم الحي لحركة العقل والبصيرة في الإنسان.
+ فلو كان ذهن الإنسان به عيب فحتى لو كان له عقل راجح وبصيرة قوية، فلا بد أن تخلو حياته من الرفعة الروحية والقداسة. وسيقضي الإنسان أيامه في حماقة وتعثر ولا يقدر أن يعبر عن ما في داخله بصدق، فالعيب هنا: ذهن لا يتحرك ولا يسير بقوة التغيير والتجديد الذي يناله الإنسان من الله [ كل شيء طاهر للطاهرين وأما للنجسين وغير المؤمنين فليس شيء طاهر بل قد تنجَّس ذهنهم أيضاً وضميرهم، يعترفون بأنهم يعرفون الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه إذ هم رجسون غير طائعين ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون ] (تيطس 1: 15)
+ لذلك لابد للإنسان الروحي أن يستمد عمل الروح بذهنه ويعيش به في كل حياته، لأن الروح القدس المُقدِّس يعمل في الذهن والقلب اللذان يُغيران الإنسان [ تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم ] (رومية 12: 2)
+ وبذلك يظل الروح القدس عاملاً في الذهن والضمير والقلب والفكر بنداء صوت الله القوي ضد أعمال الجسد الشرير والخطية بصفة عامة وذلك للتقديس [ اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد ] (غلاطية 5: 16)
+ وبسيادة الروح القدس على الذهن الروحي في الإنسان وقبول تبكيته والاستجابة لمشورته يمتد عمل الروح من الذهن إلى أعمال الجسد وكل ملكات الإنسان ويُمارس الإنسان القداسة بفرح ومسرة [ أُسرّ بناموس الله بحسب الإنسان الباطن (الداخلي الجديد) ] (رومية 7: 22)، [ وبذهني أخدم ناموس الله ] (رومية 7: 25)
+ وباستمرار الإيمان بخلاص الله لنا في المسيح ومحبته يكون ذلك تأكيد الروح لقداستنا ويعمل على تأجيجها فينا دائماً [ كما اختارنا فيه (في المسيح) قبل تأسيس العالم لنكون قديسينوبلا لوم قدامه في المحبة ] (أفسس 1: 4)
+ فالمسيح هو مصدر قداستنا وهذا ما يشهد به الروح القدس فينا [ بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة ] (1بطرس 1: 15)
[ ومنه أنتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبراً وقداسة وفداء ] (1كورنثوس 1: 30)
[ الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات ] (غلاطية 5: 24)
+ فهذا هو المسيح الغالب والمنتصر على الخطية والموت، والقائم من الأموات والمُعطي الروح القدس بالنفخة السرية من خلال أسرار الكنيسة المقدسة أي المعمودية والتوبة والإفخارستيا.
[ إذاً أن كان أحد في المسيح يسوع فهون خليقة جديدة (مقدسة). الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ] (2كورنثوس 5: 17)
أخيراً: [ اتقوا الرب يا قديسيه لأنه ليس عوز لمُتقيه ] (مزمور 34: 9)