+ إنه شابٌ عجيبٌ للغاية يَحْيَا حَيَاة كُلُّهَا تَهَاون وفساد وشرّ ، وكان هذا الشاب مُتَعَدِّيَاً كُل قَانُوُن وَكُل سُّلْطَه وَكُل نَصِيْحَة فيقول : [ أُريد أن أحيا حياتي حُراً لا قيد عليها ولا يهمُني شيء مما يُقال عليَّ أو يتبعني من أذى نتيجة حُريتي ] ، وبات على هذا الحال يهرب من القانون بِكُل الْطُّرُق الْمُلْتَويِة ويظهر بطولات ، هكذا يهرب بكل شقاوة ، وَكَانَت أُمُّه ذَات الْشَبَاب الْنَّاضِر تخاف على ابنها هذا وتُحذرهُ من عواقب أعماله هذه ، ولكن هيهات ، فبكل عناد وكبرياء يهز كتفيه ويقول : [ اترُكيني وحالي، حُريتي هي الأساس ، فالناس كلهم لا يعرفون ما أعرف ] ، وبلغت ثقته بنفسه وبأعماله مُنتهاها ، وأخيراً وقع هذا الشاب في يد العدالة وَاقْتِيْد إِلَى الْمُحَاكَمَة وَحَضَرَت أُمُّه قَاعَة الْحُكْم ، وكان الشاب ابنها في قفص الاتهام لا يبدو عليه أي علامة من عَلَامَات الْحَسْرَة أو الندم ، بل بِكُل تَفَاخُر سَمِع الْحُكْم … ! [ ثلاثة سنوات سجن ] ، ارْتَسَمَت حِيْنَئِذ عَلَى وَجْه أُمِّه الْشَّابَّة مَوْجُه مِن الْحُزْن وَالْكَآبَة ، وَاحْمَرَّت وَجْنَتَيْهَا وَانْسَابَت الْدُّمُوْع بِغَزَارَة عليها ، لعلها تُطْفِئ لَهِيْب تِلْك الْوَجْنَتَيْن الْمُتَّقِدَتَيْن بِالاحْمِرَار ، فرآها ابنها الشاب بهذا المنظر في آخر منظر لها قَبْل أَن يَدْخُل ظُلْمَة السجن، وانصرفت الأم لتقول: [ … آه … يا ابني ، ليتك تعود بسرعة وترتد إليَّ ] …
وعادت إلى منزلها يَعْتَصِرُهَا الْأَلَم وَيُمَتَّص شَبَابِهَا الْغَض ، لَيَالِيْهَا بُكَاء وَنَحِيب ، وَنَهَارُهَا ذِكْرَيَات مَرَار ، ابنها حبيبُها يُصيب قلبُها بِوَجَع يَصْعَد مَع أَنَفَسَاهَا ، ودخل الشاب السجن وهو غير مُهتم بأي شيء ، وَظَلَّ فِي عِنَادِه وَكِبْرِيَاءَه يَقُوْل : [ مهما كان سأتمتع بحُريتي ] ، ويُزيد في تأكيد كِبْرِيَاءَه قائلاً : [ أَن غَبَائِي هو الذي أوقعني في يد العدالة ، فَسَوْف لَا أَسْقُط فِي يَدِهَا مَرَّةٌ أُخْرَى ] ، ثم انتهت فترة السجن وَخَرَج الْابْن لِتَوِّه وَهُو يُفَكِّر أن لَا يُذْهِب إِلَى أُمِّه لكي لا تمنعهُ عن حُرِّيَّتِه الَّتِي يَدَّعِيَهَا ، ولكنه لَم يَعْرِف مَكَان إِلَّا بَيْت أُمِّه ، فَذَهَب إِلَيْهَا وَقَرَع الْبَاب ، فَخَرَجْت الْأُم يَعْلُو رَأْسِهَا الْمَشِيب وَوَجْهُهَا قَد تَجَعُّد وَظَهْرِهَا تَقَوَّس ، فنظر الابن إلى تلك السيدة العجوز وحقق النظر فيها ليعرف من هذه ؟ واستمر في النظر إليها لمُدة ثانيتين .. !! .. ثم صرخ : [ أُمِّي ] ، فَرَكَض إِلَيْهَا وَاحْتَضَنَهَا بين يديه وَبَكَى بُكَاءً شَدِيْداً ، فَلِأَوَّل مَرَّة يِعْرَف أَن حُرِّيَّتِه هَذِه كَاذِبَة ، ويطلب من أمه باتضاعٍ عجيب وهو ساجداً عند قدميها : [ آَه . يَا أُمِّي أَنَا سَبَّبْت لَكِ أَلَمٌ مَرِيْر . سَامِحِينِي فَسَوْف لَا أَعُوْد إِلَى حَيَاتِي الْشَّقِيَّة الْمَرْيَرَة ، لِأَنِّي لِأَوَّل مَرَّة أُفُّهُم آَثَارُهَا … آَه . آَه ، هَل شُرُوْرِي فَعَلْت إِلَى هَذَا الْحَد ؟ ] ، ثُم عَكَف بعد ذلك على حِفْظ شَبَابَه فِي أَحْسَن حَال .
+ ماذا قد رأيتُ الآن يا حبيبُنا القارئ ؟ أي حالٌ أنت فيه ؟ أين أنت من قصة ذلك الشاب ؟ فإن كُنت بنفس ذات حال الشاب ، فهيا الآن أُخرج من السجن ولا تتردد واذهب إلى بيت أبيك السماوي ، كفى اليوم طعام الخنازير ، إنك سَوْف لَا تَطْرُق الْبَاب مِثْل ذَلِك الْشَّاب ، بَل سَتَجِد نَفْسَك أَمَام مَنْظَر عَجِيْب عِنْد الجُلْجُثَة ، حيث ترى نتيجة خطاياك وخطاياي وخطايا العالم كله ، أن الرب يسوع هو الذي يُكلمُك : [ من أجلك احتملت العار ، غطى الخجل وجهي ] ( مز69: 7 )
يا ليت هذا فقط بل أنهُ [ أُسْلِمَ مِن أَجْل خَطَايَاك ] ( رو4: 25 )
وأيضاً ليس هذا فقط بل أنه [ مَات مِن أَجْل الْفُجَّار ] ( رو5: 6 )
+ قد تكون سمعت هذا من قبل ، أما اليوم فأنت تقترب من بيت الآب ، أسرع لا تتأخر فَسَتَجِدُه أَرْسَل ابْنَه وَحِيَدَه حَبِيْبهُ إِلَيْك ، وَدِمَاؤُه مَلَأَت رَأْسِه ، وَأَشْلاء جَسَدِه مُمَزَّقَه عَلَى الْصَّلِيب وَجَبِيْنُه مُنْحَنِي ، قف أمامه ولو ثانيتين وتحقق مما فعلته وجلبته على ابن الله !