الله الذي قدم لنا الفداء بابنه الرب يسوع المسيح الذي مات من أجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا، ثم صعد إلى السماء، وقبل صعوده قال: [ لا أترككم يتامى. إني آتي إليكم ] (يوحنا 14: 18).
المسيح بذلك صعد إلى السماء وأرسل لنا كوعده الصادق الروح القدس، ليُحقق فينا عمل الفداء وحياة القداسة التي بدونها لن يُعاين أحد الرب، وبذلك لم يتركنا يتامى حتى نُعاينه في مجده الآتي.
يعلن القديس بولس الرسول عن خمسة علامات للروح القدس، ويُعطينا أعمق الاختبارات المسيحية، وهي واضحة في رسالته الثانية لأهل كورنثوس إذ يقول:
[ لكن الذي يُثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله، الذي ختَمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا ] (2كورنثوس1: 21، 22)
[ ظاهراً أنكم رسالة المسيح مخدومة منَّا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي. لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية ] (2كورنثوس3: 3)
[ ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجد كما من الرب الروح ] (2كورنثوس 3: 18)
عزيزي القارئ أرجوك لتفتح قلبك إلى هذه الكنوز الإلهية الموهوبة لنا بروح الله القدوس لكي تحصُل على أمجادها وقوتها في حياتك الروحية وهي:
أولاً: المسحة: [ الذي يُثبتنا معكم وقد مسحنا هو الله ] (1كورنثوس 1: 21)
إن الرب يسوع هو (الممسوح) طبقاً لاسمه (المسيح) وحسب الأسفار المقدسة التي تُخبرنا أن مسيح تعني ممسوح.
الشخص المسيحي اعتمد ولبس المسيح وانتمى للمسيح الممسوح بالروح القدس، حيث كانت المسحة في طقوس العهد القديم تتم في تخصيص وإفراز وتدشين ثلاثة من قادة الشعب في العهد القديم وهم: النبي – والكاهن – والملك.
فالنبي: كان يُمسح ويُفرز حتى يشهد لِما يُعلنه الله لهُ ويسعى لتطبيق مشيئة الله، وبذلك وهبنا الروح القدس هنا بنعمة لنعمل به إرادة الله في حياتنا مُتممين الشهادة الحيَّة لما يُعلنه لنا بكلمته المباركة.
والكاهن: يُمسح ليقوم كوسيط بين الله والشعب، ويُصلي شافعاً في الآخرين، ونحن صرنا بمسحة الميرون لنا صِفات كهنوت الله المقدس لنقترب منه ونعبده منكسرين عند قدميه، مقدمين صلاة وعبادة دائمة، بخور الإيمان والمحبة؛ بل ونرفع قلوبنا حاملة آلام الآخرين وخطاياهم وحاجاتهم أمام عرش النعمة، وبذلك نشترك في كهنوت ربنا ومُخلصنا يسوع المسيح.
والملك: يُمسح ليحكم باسم الله، ويكون مثالاً للرب لدى الشعب، ونحن نُلنا بالمسحة المقدسة، أن نكون كهنوت ملوكي لله، لتكون حياتنا منتصرة بقوة على الذات والخطية والتجارب والمشقات. وهذه هي شرف دعوتنا العُليا وبها نكون ملوك حقيقيين في حكم حياتنا بصدق وأمانة إلى المنتهى.
وهكذا ننال بالمسحة هذه الحياة في خدمات ثُلاثية مُباركة.
بل نجد أن رسم المسحة له يُعطينا مع هذه الخدمات الثلاثة ما هو أبدع أيضاً فيعطينا:
(1) مسحة الابتهاج: [ من أجل ذلك مسحك إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رُفقائك ] (مزمور 45: 7)
(2) مسحة للشفاء: [ أمريض أحد بينكم فليدعو شيوخ الكنيسة فيصلُّوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب، وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يُقيمه، وأن كان قد فعل خطية تُغفر لهُ ] (يعقوب5: 14، 15)، وهذا ما تُمارسه الكنيسة في سرّ مسحة المرضى.
وبهذا يقول الإنسان بكل فرح وإيمان مع المسيح: [ روح الرب عليّ لأنه مسحني لأُبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب. لأُنادي للمأسورين بالإطلاق وللعُمي بالبصرّ وأُرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة ] (لوقا4: 18، 19)
وهذا ما نصرخ به مع القديس بولس قائلين: [ الذي يُثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله ] (2كورنثوس1: 21)
ثانياً: الختم: [ الذي ختمنا أيضاً وأعطى عربون الروح في قلوبنا ] (2كورنثوس1: 22)
* الختم كان له صلة بكل الاصطلاحات التُجارية في كل عصرّ، ويُستعمل للتصديق والتثبيت، وبه يَثبُت المؤمن الذي يعيش مع المسيح بصدق، وذلك بِخَتْمهِ بختم الله وطابعه، وذلك شهادة لقبوله وتصديقاً لإخلاصه.
* والختم علامة للتملك، وبذلك فالروح القدس عندما يختمنا، فإنه يفرزنا ويُكرسنا للهن ويُعلمنا أننا لسنا بعد لذواتنا، ولكننا صرنا خاصة الله، اشتراها المسيح له المجد بدمه الذكي الثمين، وعليه أن نحيا بكل قلوبنا لمجده وخدمته.
* والختم عندما تظهر علامته على شمع الختم، فهو تعبير عن الحقيقة التي في الختم، وهكذا يحوَّل الروح القدس الذي يختمنا، النظريات الروحية إلى حقائق اختبارية في إحساسنا ومداركنا وذهننا الروحي وإرادتنا.
* والختم ينقل الرسم الذي عليه وبذلك يمنحنا الروح القدس، ويمنح لنا قلوباً تُرسم عليها شخص الرب يسوع المسيح، مما يطبع حياتنا بطابع صفاته مع مراعاة ضرورة أن يكون الشمع ليناً لتتضح الصورة عليه، الروح القدس من عمله أن يُلين قلوبنا حتى تتضح صورة المسيح الحبيب فيها، ولا تكون قاسية فيكسر القلب الصلب ويُلينه دائماً.
* فعلينا أن نأتي ونختم تعهدنا الإلهي بقبولنا لعمله فينا [ ومن قبل شهادته فقد خُتم أن الله صادق ] (يوحنا 3: 33)
وبذلك يأتي الروح القدس ويُصَّدَق على أمانتنا ويضع ختمه المجيد على ختمنا الضعيف الذي ختمناه بضعفنا وأيدينا المرتعشة، وعليه يكون الختم مزدوج، وهكذا نكون قد خُتمنا بالتمام ليوم الفداء حيث يأتي المسيح ويرى فينا هذا الختم ويدخلنا إلى ميراث قديسيه في النور.
ثالثاً: العربون: [ وأعطانا عربون الروح في قلوبنا ] (2كورنثوس 1: 22)
* فالعربون جاءت من العبرية ولها مغزى هام ونُقلت بمعناها إلى كل اللغات تقريباً، وايضاً إلى اللغة اليونانية.
* وتُمثل كلمة العربون القسط الأول في عملية الشراء، فعند شراء أي شيء فعلى الشاري أن يدفع مبلغاً فيلتزم البائع بأن يُتمم شروط العقد، كما يلتزم الشاري على دفع الأقساط كاملة، حتى النهاية. فعلينا المثابرة لتحقيق كامل الميراث الموعود به من الله لنا.
* فالروح القدس كعربون هو لنا قسط من الثمن، وايضاً عربون تام لميراثنا السماوي الكامل. فهو باكورة الحصاد. أي أنه القسط الأول من ميراثنا، يسكن في قلوبنا وحياتنا، مؤكداً لميراثنا السماوي الكامل، والفرق فقط في القياس والدرجة، فالعربون يُحمل كبذرة كل الميراث، والميراث هو لنا كمال نمو حياة هذه البذرة في ملكوت السماوات، فهو بذلك:
(1) يؤكد في قلوبنا أنه عربون ميراثنا السماوي الروحي الذي ستقدمه لنا السماء في المجد على حساب عمل المسيح الكامل.
(2) ولكن يوضح لنا القديس بولس أن هُناك فرق بسيط جداً فيقول: [ ولكن الذي صنعنا لهذا عينه هو الله الذي أعطانا عربون الروح ] (2كورنثوس 5: 5). فهنا لم نحصل بعد على ميراثنا الروحي كاملاً، ولكننا بالعربون نثق في نوال ميراثنا الطبيعي في الله في المجد. هذا هو ما سنلبسه من جسد المجد (القيامة) الذي سيعطيه لنا رب المجد يسوع في منزلنا السماوي الذي مضى ليعده لنا
* فهُنا يمنح عربون الروح القدس قوة تعمل فينا من أجل البهجة والتقوية والمُثابرة، فيجعل حياتنا الحالية تتشرب قوة وحياة إلهية ونُصرة على كل الآلام والأمراض إذ يمنحنا شيء سابق من هذا المجد ونحن نسعى لمجد القيامة، فنكون بذلك [ غير متكاسلين في الاجتهاد حارين في الروح. عابدين الرب ] (رومية 12: 11)
رابعاً: رسائل المسيح: [ ظاهرين أنكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي لا في ألواح حجرية بل في الوح قلب لحمية ] (2كورنثوس 3: 3)
* هُنا ينقل الروح القدس الساكن فينا صفات الرب يسوع المسيح وسجاياه وحياته في ألواحنا (قلوبنا) الحيَّة، إلى قلوب وحياة الآخرين الذين يروا فينا شخص المسيح الحي.
* فيصير بذلك كل واحد فينا رسالة للمسيح منقولة للآخرين، يقرأه كثيرون ككتاب مقدس. فهذا عمل الروح القدس في كل إنسان مؤمن حقيقي يعيش للمسيح بصدق.
* بالروح القدس ننقل بذلك للعالم الذي نعيش فيه رسالة محبة المسيح الحيَّة ومشيئته المقدسة لخلاص العالم.
* بمعنى آخر نصير نحن مكتوبون كرسالة حيَّة بإصبع الروح القدس الساكن فينا. فإن كانت الألواح الحجرية الذي كُتب عليها الناموس الموسوي صارت مُقدسة ووضعت بعناية شديدة في تابوت العهد حفظاً لها وتأميناً لسلامتها فكم بالحري نكون نحن الآن الذي كتب الروح القدس على ألواح قلوبنا اللحمية كرسالة منقولة للعالم فيها حياة يسوع ذاتها، والمودَعة في حياتنا المقدسة لله (أي تابوتنا) وذلك حفظاً وصوناً وتأميناً لسلامة حياة هذه الرسالة ونقلها إلى قلوب الناس بلا عيب فيها.
* كم إذاً يا إخوتي يحتاج الأمر لقبول الرسالة، وحفظها وصونها ونقلها كحياة مقدسة عاملة بالروح القدس، وامينة وحكيمة وثابتة. حتى تُعرف وتُقرأ من جميع الناس ونقدم المسيح إلى العالم الذي يجهل عمل الفداء المُبارك ونعمته المُخَلِّصة الغنية.
* يا رب ساعدنا أن نكون حاملين ألواح قلب لحمية، وليست حجرية صلبة فتنتقل حياتك يا يسوع بهدوء إلى العالم. وبذلك نكون حقيقةً رسائل حية ليسوع المسيح بالروح القدس العامل فينا.
خامساً: صور للمسيح: [ ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير لتلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح ] (2كورنثوس 3: 18)
* حقيقةً، نحن بالروح القدس لسنا فقط رسالة مقروءة من الجميع، ولكن رسالة مصورة بصور ورسوم حيَّة فعَّلة.
* هذه الرسالة المصورة توجد في وسط كتاب حياتنا صورة حية يعمل فيها الروح القدس باستمرار ليُتممها ببراعة، حيث فيها يُعلن للعالم مجد يسوع ذاته ويُخفينا نحنُ تماماً، فتظهر صورة المسيح الحي على وجه بشريتنا الناضحة من أعماق قلوبنا فتُصبح الحياة لنا مثالاً حياً للعالم من مجد ربنا فينا.
* فعلينا نوال هذا الشَبَّه العظيم أن نستمر بالنظر في وجه يسوع والتركيز والتحديق فيه بالروح القدس. وعليه يعكس الروح مجده على ملامحنا ويرسم شبهه ومثاله على حياتنا وسلوكنا.
* هذا التفرُّس في وجه الرب يسوع المسيح يكون بوجه مكشوف، حيث لا يوجد بيننا وبينه أي عائق أو برقع أو حجاب أو سحاب. فلابد أن نصغي جيداً للروح القدس وهو يُرشدنا أن نطرح جانباً ما فينا من العالم والجسد وكل عائق، بل نصلبه تماماً بقوة صليب المسيح المبارك وبعمل الروح القدس فينا.
* وعندما نندمج بالمسيح ونثبت في شركته وعِشرته ترتسم فينا صفاته ومثاله وشبهه. من هُنا نقف أمام العالم صورة المسيح الحيَّة، ولسنا فقط رسائل حيَّة.
* نحن بذلك نصير بالروح القدس أسفاراً موضحة برسوم وصور فيها نُعلن للعالم مُخلصنا المُبارك والمجيد، كما أعلن هو اباه القدوس إذ هو صورة الله ورسم جوهره [ الذي (المسيح) وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا جلس عن يمين العظمة في الأعالي ] (عبرانيين 1: 3)
أحبائي اسرعوا في نوال صورة المسيح فيكم بالتفرس في وجهه بالروح القدس الساكن فينا، لتكون الشهادة الحيَّة للمسيح في هذه الأيام .
* ونراعي أن هذه الصورة يؤلفها الروح القدس فينا، يوماً بعد يوم تزداد وضوحاً وجمالاً، أي من (مجد إلى مجد) إلى أن تغوص بعد ذلك في مجد السماء عند مجيء المسيح ليأخذنا له.
* آه يا سيدي الرب هل من ملء الآن لنا نحن عبيدك الصغار. نصرخ إليك املأنا بروحك نحن أولادك الماثلين بين يديك. نلح ونصرُخ ونطلب المسحة، والختم، والعربون، والرسائل الحية، والصورة الحيَّة
يا سيدي الرب يسوع إلى وجهك أيها المُخلِّص الصالح ننظر، أطبع فينا ملامحك ورسالتك وصورتك، هذه هباتك لنا نحن البشر الضعفاء. حمداً وشكراً لك يا مُخلصنا .
المهندس فؤاد فريد قلته
الأحد 3 يونيو 2012م – 26 بشنس 1728 ش
عيد العنصرة، عيد حلول الروح القدس
+ الله بار وإرادته ورغبته تبرير الخاطئ، فهو بذلك يُعلن عن بره ليكون باراً وذلك في طول أناته وحلمه وإمهاله، حتى يصفح للخاطئ عن خطاياه السالفة [ الذي قدمه الله (الآب من فرط طول أناته قدَّم ابنه) كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله، لإظهار بره في الزمان الحاضر، ليكون باراً ويُبرر من هو من الإيمان بيسوع ] (رو3: 25، 26). + نجد بذلك حتى من العهد القديم بطول تاريخه كله إنما هو زمان احتمال الله خطايا شعبه بل وخطايا الأمم كلها، حتى يأتي ملء الزمان ليُقَدَّم برّ الله الخلاصي لآنية الرحمة الذي سبق فأعدها للمجد [ فماذا إن كان الله وهو يُريد أن يُظهر غضبه ويُبين قوته احتمل بأناة كثيرة آنية غضب مُهيأة للهلاك، ولكي يُبين غنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدها للمجد، التي أيضاً دعانا نحن إياها، ليس من اليهود فقط بل من الأمم أيضاً ] (رو9: 22 – 24). + حتى الآنية المُهيأة للهلاك يطيل الله صبره وأناته عليهم، رغم أنهم وضعوا أنفسهم في وضع يجعلهم للهلاك برفض نداء كلمة الله لهم لتوبتهم وخلاصهم [ الذين يعثرون غير طائعين للكلمة الأمر الذي جُعلوا له ] (1بط2: 8) + نجد بذلك أن الله لا يترقب خطايانا لكي يمسكنا بها ويُعاقبنا عليها، بل تؤكد لنا نبوات العهد القديم عن أناة الله ومحبته الملتحفة بالرحمة الجزيلة، الداعية للتوبة والخلاص [ الله رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة ] (مز103: 8) + حتى الأنبياء في العهد القديم وهم ينذرون بالغضب والدينونة على الخطية، ولكن بالأكثر جداً يركزون على غفران الخطايا، كما هي طبيعة الله الحقيقية، بل أن الله الذي لا يتغير ولا يتبدل يظهره الأنبياء في استعداده الكامل والتام في الرجوع عن تهديداته بالغضب والدينونة وهو ينتظر رجوع الخاطي ليرفع عنه الغضب ويفتح أحضانه في قبوله للخلاص [ مزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم لأنه رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرأفة ويندم على الشرّ (قف هنا وانظر اتجاه قلب الله نحو الخاطئ)، لعله يرجع ويندم (أي يحن ويُشفق) فيُبقي وراءه بركة تقدمة وسكيباً للرب إلهكم (السكيب = الخمر التي تنسكب على المذبح) ] (يوئيل2: 13، 14)، [ أطلبوا الرب ما دام يوجد أدهوه وهو قريب ] (أش55: 6) المسألة عزيزي القارئ أن تشعر باحتياجك لحضن الله وتنسكب أمامه في انسحاق واتضاع بالروح، وسوف ترى كم يُحيي الرب روح المتواضع وقلبك المنسحق [ لأنه هكذا قال العلي المرتفع ساكن الأبد القدوس اسمه. في الموضع المرتفع المقدس اسكن ومع المنسحق والمتواضع الروح لأُحيي روح المتواضعين ولأُحيي قلب المنسحقين، لأني لا أُخاصم إلى الأبد ولا أغضب إلى الدهر ] (أش57: 15، 16) + هذا ما يوضحه تدبير الله الذي صبر على خطية الإنسان حتى أرسل ابنه متجسداً ليرفع عنه خطاياه وذنوبه، ويُخلصه من حكم الناموس الذي كان يحكم بالعدل دائماً على خطاياه، وبذلك يتبنى الإنسان للحياة الأبدية [ ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنهُ مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدي (يحرر) الذين تحت الناموس (أي تحت حكم عدل الناموس) لننال التبني ] (غلا4: 4، 5) + جاء إذاً البر متجسداً في شخص يسوع المسيح، ونجده يوبخ تلميذيه يعقوب ويوحنا عندما طلب أن تنزل نار من السماء كما كان عقل الإنسان المشبع بصورة خاطئة عن دينونة الله فقط من الخطية، وذلك ليفنى قرية السامريين الذين لم يقبلوا المسيح لديهم، رغم أنه يُريد أن يُعلن خلاصه لهم [ فالتفت وانتهرهما وقال: لستما (أو ألستما) تعلمان من أي روح أنتما، لأن ابن الإنسان لم يأتي ليهلك أنفس الناس بل ليُخلص ] (لو9: 55، 56) وكذلك من قبل شجرة التين غير المثمرة لمده ثلاث سنين (آخر ما يُمكن الانتظار عليها) فطلب صاحبها من الكرام (يمثل بر الله في المسيح) أن يقطعها [ فأجاب (الكرام) وقال له يا سيد اتركها هذه السنة أيضاً حتى أنقب حولها وأضع زبلا (أي حتى يصلها برّ الله في المسيح بقوة الفداء) ] (لو13: 8) ومثل الابن الضال الذي يُمثل حالة السقوط والبعد عن أبوه الله بإرادته، ثم انتظار الأب لرجوعه، ليُقدم بره له، ويفرح به ويقبله ابناً حقيقياً له، غير ذاكراً له سقوطه إطلاقاً، وهذا ما قاله الأب للابن الأكبر الذي اعترض على فرح الأب برجوع الابن الضال فقال له الأب [ كان ينبغي أن نفرح ونُسرّ لأن أخاك هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد ] (لو15: 32). + عزيزي القارئ افتح قلبك وفكرك فأن الله الذي أعلن لك بره في شخص ابنه يسوع الذي تجسد ومات وقام لأجلك يُبررك ببره المجاني، ووعد أن يأتي ثانية ليأخذ أولاده المبررين ببره بالإيمان الحي والحياة الأمينة لكي يرثوا معه ملكوته حتى تنال نصيب الأبرار مع القديسين في المجد. + عزيزي القارئ الله أيضاً مازال متباطئ في مجيئه الثاني كما يبدو ليأخذ الأبرار، ولكن هذا أيضاً طبيعة تأنيه، لأنه لا يُريد أن يهلك أحداً بل أن يأتي الجميع إليه بالتوبة والإيمان، وهذه الفترة هي زمان الخلاص الممتد بأناة المسيح لكي نصبر ونستعد لمجيئه الذي يبدو أنه على الأبواب حسب علامات الأزمنة [ لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ لكنه يتأنى علينا وهو لا يشاء أن يهلك أُناس بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة، …، واحسبوا أناة ربنا خلاصاً ] (2بط3: 9، 15) + علينا إذن أن نعي هذا جيداً أنه ما دام الله مستمراً في دعوته لنا للبرّ والخلاص وهو يتأنى علينا حتى الآن، ولا يُريد أن يأتي في يومه المخوف المملوء مجداً قبل رجوع من يسعون من الناس لسماع كلمته بصدق لأنهم يريدون الدخول إلى راحته [ لذلك يقول الروح القدس اليوم ان سمعتم صوته، فلا تقوسوا قلوبكم ] (عب3: 7) + [ فلنجتهد أن ندخل إلى تلك الراحة لئلا يسقط أحد في عبرة (أي مثال العصيان الذي عصاه شعب الله قديماً) العصيان هذه عينها ] (عب4: 11) + أيها المجاهدون لكم الآن تشجيعاً عظيماً من رئيس كهنتنا العظيم الرب يسوع المسيح الجالس عن يمين العظمة في الأعالي، وهو قادر أن يرثي لضعفاتنا. تعالوا إليه بثقة فستجدوا منه الرحمة والعون في وقته (فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات يسوع (لاحظ أنه اتخذ اسم مُخلِّص أي يسوع واجتاز بإنسانيتنا المفتداه إلى السماوات) ابن الله (أي أنه في نفس الوقت إله) فلنتمسك بالإقرار (حيث اختار الله قديماً هارون وبنيه كمثال ليكهنوا له – خر28: 11)، لأنه ليس لنا رئيس كهنة غير قادر (مثل كهنوت هارون الذي لا يقدر أن يُبرر) أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية، فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد عوناً في حينه ] (عب4: 14 – 16) + عزيزي القارئ ألست مُعي أنه أن رفضنا محبة الله العجيبة هذه أخيراً بعد أن قدم لنا محبته بطول أناة وصبر ورأفة ورحمة، ومازال يقدمها بكهنوته في السماء لننال بره، يكون ذلك نوعاً من الاستهانة بهذه المحبة بل رفضها ورفض لطف الله هذا [ أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لطف الله إنما يقتادك إلى التوبة، ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة ] (رو2: 2) محبة إليك، أسرع إليه فهو الآن ينتظرك لتكون ابناً له ووارثاً لملكوته.
وكل عام وانتم بخير م. فؤاد فريد قلتة 1 يناير 2012م – 22 كيهك 1728ش